مصطفى الجارحي يكتب: اتركوا رمضان صبحي يعود إلى أوروبا

تظهر من وقت إلى آخر مواهب مصرية في كرة القدم.. لكنها تذبل في ملاعبنا، وتحت أعيننا، لأن إدارات الأندية ترفض أن تفتح لها أبواب الاحتراف الخارجي.

ونعرف أن الدوريات المحلية، في كل بلاد العالم، هدفها الأساسي التخديم على منتخبات الدول ومدّها بأمهر اللاعبين في مختلف المراكز، ومن ثم ترفع المنتخبات أعلام بلادها في المحافل الدولية.

على أن احتراف اللاعبين، خصوصًا في الدوريات الأوروبية، يتيح لهم الاحتكاك القوي، واكتساب مهارات جديدة، والتعرف على مدارس وطرق لعب وتكتيكات فنية، غالبًا لا تتوفر في الدوريات العربية، إلا بقدر بسيط عن طريق استقدام مدربين أجانب.

منذ سنوات كنت أندهش حين يلتقي منتخب مصر مثلاً مع نظيره من الكاميرون أو نيجيريا أو السنغال.. أو.. أو.. وأجد هذه المنتخبات مدججة بلاعبين محترفين في دوريات أوروبية، فيما منتخبنا ليس به لاعب واحد محترف.

***

وجاء عصر الجنرال محمود الجوهري، الأب الشرعي للاحتراف الخارجي، والذي حقق نجاحات كبيرة في الكرة المصرية على مستوى الأندية والمنتخب الوطني، وقاده إلى كأس العالم (إيطاليا 1990) في الظهور المونديالي قبل الأخير للفراعنة.

في مونديال 90 شارك منتخب مصر بجيل مدجج بالنجوم المحلية، ولم تكن القائمة تضم غير اثنين فقط، هما مجدي طلبة ومجدي عبد الغني، عرفا طريق الاحتراف الأوروبي، الأول في باوك اليوناني، والثاني في بيرامار البرتغالي.. يعني أن القوام الأساسي للمنتخب محلي صرف.

وبعدها بـ 28 عامًا عاد منتخب مصر إلى المونيال (روسيا 2018) ولكن هذه المرة بقلة من المحليين فيما كان القوام الرئيسي من المحترفين في دوريات أوروبية وعربية: عصام الحضري (التعاون السعودي)، علي جبر (وست بروميتش)، أحمد حجازي (وست بروميتش)، أحمد المحمدي (أستون فيلا)، عمر جابر (لوس أنجلوس)، محمد عبد الشافي (الفتح السعودي)، محمد النني (أرسنال الإنجليزي)، سام مرسي (ويجان الإنجليزي)، عبد الله السعيد (أهلي جدة)، شيكابالا (الباطن السعودي)، محمود حسن تريزيجيه (قاسم باشا التركي)، رمضان صبحي (ستوك سيتي)، عمرو وردة (أتروميتوس اليوناني)، محمد صلاح (ليفربول)، محمود عبد المنعم كهربا (اتحاد جدة).

***

تقول الذاكرة إن العام 1990 شهد احتراف هاني رمزي من الأهلي إلى فريدر بريمن ثم كايزر سلاوترن وظل في الدوري الألماني 16 عامًا ووصف بأنه عميد اللاعبين المحترفين.. كما احترف التوأم حسن في باوك اليوناني ومنه إلى نوشاتل السويسري.

وبدأ عبد الستار صبري رحلته الاحترافية عام 1997 من المقاولون العرب إلى تيرول إنسبروك في النمسا، ومنه إلى آراو السويسري، ثم باوك اليوناني، ثم بنفيكا وماريتيمو وستريلا البرتغاليين حتى عام 2004.

وفي 1999 بدأ محمد زيدان مسيرته الاحترافية من المصري البورسعيدي إلى كوبنهاجن وميتييلاند في الدنمارك، ثم إلى فريدر بريمن وماينز وهامبورج وبروسيا دورتموند ثم بني ياس القطري (حوالي 14 عامًا).

لكن دعونا نتحدث عن عقد واحد فقط في مسيرة احتراف اللاعبين خارج مصر وندرك كيف استفاد منتخب مصر باحترافهم:

في عام 2001 احترف لاعبان فقط: سمير كمونة من الأهلي إلى بورصا سبور التركي، ومظهر عبد الرحمن من المصري إلى موناكو الفرنسي.

وفي 2002 احترف 4 لاعبين: محمد جودة وياسر ريان من الأهلي إلى آراو السويسري والمرخية القطري، وطارق السعيد من الزمالك إلى أندرلخت البلجيكي، ومحمد بركات من الإسماعيلي إلى أهلي جدة.

وفي 2003 احترف 5 لاعبين: حسام غالي من الأهلي إلى فينورد الهولندي، وإبراهيم سعيد من الأهلي إلى إيفرتون الإنجليزي، وأحمد سمير فرج من الأهلي إلى سوشو الفرنسي، وعلاء إبراهيم من الأهلي إلى الوحدات الأردني، وعمرو الدسوقي من المصري إلى أنقرة غوجو التركي.

وفي 2004 احترف 9 لاعبين: أحمد حسام ميدو من الزمالك إلى توتنهام الإنجليزي، وأحمد صلاح حسني من الأهلي إلى ريز سبور التركي، ومحمد جودة من الأهلي إلى أنقرة التركي، وبشير التابعي من الزمالك إلى ريز سبور التركي، وأمير عزمي مجاهد من الزمالك إلى باوك اليوناني، وعماد النحاس من الإسماعيلي إلى النصر السعودي، ومحمد صلاح أبو جريشة من الإسماعيلي إلى التضامن الكويتي، ومحمد فضل من الاتحاد السكندري إلى كاظمة الكويتي.

وفي 2005 تقلص معدل الاحتراف واقتصر على 4 لاعبين: شريف إكرامي وأحمد أبو مسلم من الأهلي إلى فينورد الهولندي وستراسبورج الفرنسي، وشيكابالا من الزمالك إلى باوك اليوناني، وحسني عبد ربه من الإسماعيلي إلى ستراسبورج الفرنسي.

وفي 2006 تقلص المعدل مرة أخرى إلى 3 لاعبين: إبراهيم سعيد من الزمالك إلى ريزسبور التركي، ومحمد جودة من الاتحاد السكندري إلى أسيريسكا السويدي، وعمرو زكي من إنبي إلى لوكموتيف موسكو الروسي.

وفي 2007 ارتفع المعدل مرة أخرى إلى 8 لاعبين: محمد شوقي من الأهلي إلى ميدلزبره الإنجليزي، ووائل رياض من الأهلي إلى غريزير أتلتيك النمساوي، ومحمد عبد الله من الأهلي إلى قونيا سبور التركي، ووائل جمعة من الأهلي إلى السيلية القطري، وحسن مصطفى من الأهلي إلى الوحدة السعودي، وأحمد فتحي من الإسماعيلي إلى شيفيلد يونايتد الإنجليزي، ومحمد عبد الواحد من الإسماعيلي إلى ليرس البلجيكي.

وفي 2008 احترف 7 لاعبين: عصام الحضري وعماد متعب من الأهلي إلى سيون السويسري واتحاد جدة، وبشير التابعي وعمرو زكي من الزمالك إلى بورصا التركي وويجان أتلتيك الإنجليزي، وحسني عبد ربه وسيد معوض من الإسماعيلي إلى أهلي دبي الإماراتي وطرابزون سبور التركي، وأحمد سمير من حرس الحدود إلى ليرس البلجيكي.

وفي 2009 احترف 3 لاعبين: جمال حمزة من الزمالك إلى ماينز الألماني، وإبراهيم سعيد من الإسماعيلي إلى أهلي طرابلس، ودودو الجباس من المصري إلى ليرس البلجيكي.

وفي 2010 احترف لاعب واحد فقط: أحمد المحمدي من إنبي إلى سندرلاند الإنجليزي.

هنا بالتحديد تقول المحصلة إن منتخب مصر في هذه الفترة (أي من 2001 إلى 2010) سيطر على بطولة أمم أفريقيا، وأحرز اللقب 3 مرات (2006 و2008 و2010).

***

وشهدت السنوات الأخيرة احتراف عدد لا بأس به منهم: محمد صلاح (ليفربول)، تريزيجيه (أستون فيلا)، أحمد المحمدي (أستون فيلا)، محمد النني (أرسنال)، أحمد حسن كوكا (أولمبياكوس)، أحمد حجازي (وست بروميتش)، عمرو وردة (لاريسا)، علي غزال (لاريسا)، عمرو طارق (نيويورك ريد بولز)، كريم حافظ (مالاتيا بيليديا سبور)، كما أن هناك أكثر من 40 لاعبًا مصريًا لا نعرف عنهم شيئًا يلعبون في دوريات من فئة الدرجة الثانية والثالثة الأوروبية.

***

وكلما ظهرت موهبة جديدة في مصر ينادي الجميع بتحريرها من القيد المحلي، وبإطلاق سبيلها تجاه الاحتراف الأوروبي، إلا أن الأندية تتمسك بها، أو تغالي في مطالبها المالية، ومن ثم يتم حرمان هذه المواهب من التحليق، وتظل حبيسة الدوري المحلي لأغراض ضيقة لا تعود بالنفع على اللاعبين الموهوبين، ولا بالنفع على منتخباتنا القومية.

والغريب أن هذه الأندية تتستر بالخوف من إثارة الجماهير، وتتحجج برغبتها في المنافسة على بطولة محلية، لكن الحقيقة غير ذلك بالمرة وأساسها حب التملك والجشع المادي.

***

طبعًا أنا أتحدث عن الاحتراف بمعناه الحقيقي، وليس نصف أو ربع الاحتراف.. فقد تعبنا من الاحتراف لإرضاء بعض اللاعبين، بجلب تعاقدات لهم في دوريات خليجية لمدة موسم أو اثنين من باب تأمين المستقبل.. أو من باب قضاء موسم (كوبري) ثم العودة إلى نادِ كبير (!)

أتحدث عن الاحتراف بوصفه بيزنس كبيرًا ومهمًا في بناء اقتصاديات الأندية.. انظروا إلى ما يفعله بروسيا دورتموند مثلاً في منظومته الإدارية الاقتصادية جدًا، وكيف يشتري لاعبين موهوبين من صغار السن ويعيد تدويرهم في السوق الأوروبية.. فتعم الفائدة على النادي وعلى اللاعب وعلى منتخب بلاده.

ما يفعله دورتموند يفعله هنا الإسماعيلي ولكن بطريقة أخرى تهدف فقط لإنقاذ النادي والصرف على لاعبيه.

وبوصفي أهلاوي جدًا، وأضع مصلحة الأهلي فوق كل شيء، أرى أن القلعة الحمراء مدججة باللاعبين (مصريين وأفارقة).. ولدى الأهلي مدارس وأكاديميات تعد مفرخة للناشئين المهرة.. ومن هنا أطالب إدارته الحكيمة بأن تفتح الباب أمام عودة رمضان صبحي إلى أوروبا.

وبالمثل أطالب إدارة الزمالك بتحرير مصطفى محمد.. رأس حربة منتخب مصر.. فهذا هو الوقت المناسب لاحترافه الخارجي.. وللجميع أقول إن مصلحة منتخب مصر هي الأهم.